سورة محمد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أبطلها فلم يقبلها وأراد بالأعمال ما فعلوا من إطعام الطعام وصلة الأرحام قال الضحاك: أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجعل الدائرة عليهم.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نزلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} قال سفيان الثوري: يعني لم يخالفوه في شيء {وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: {الذين كفروا وصدوا}: مشركو مكة، {والذين آمنوا وعملوا الصالحات}: الأنصار. {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} حالهم، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: عصمهم أيام حياتهم، يعني أن هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا.
{ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ} الشيطان، {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} يعني القرآن {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} أشكالهم، قال الزجاج: كذلك يبين الله أمثال حسنات المؤمنين، وإضلال أعمال الكافرين.


{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} نصب على الإغراء، أي فاضربوا رقابهم يعني أعناقهم. {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ} بالغتم في القتل وقهرتموهم، {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} يعني في الأسر حتى لا يفلتوا منكم، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل، كما قال: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} [الأنفال- 67]، {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} يعني: بعد أن تأسروهم فإما أن تمنوا عليهم مَنًّا بإطلاقهم من غير عوض، وإما أن تفادوهم فداء.
واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هي منسوخة بقوله: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم} [الأنفال- 57]، وبقوله: {اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة- 5]. وإلى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدي وابن جريج، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي، قالوا: لا يجوز المن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء.
وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة، والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم أو يسترقهم أو يمن عليهم، فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال، أو بأسارى المسلمين، وإليه ذهب ابن عمر، وبه قال الحسن، وعطاء، وأكثر الصحابة والعلماء، وهو قول الثوري، والشافعي، وأحمد وإسحاق.
قال ابن عباس: لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله عز وجل في الأسارى: {فإما منا بعد وإما فداء}.
وهذا هو الأصح والاختيار، لأنه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده:
أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، حدثنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عبدالله بن يوسف حدثنا الليث، حدثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري. المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خير يا محمد إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت، حتى كان الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر، وإن تقتل تقتل ذا دم، وإن كنت تريد المال سل تعط فتركه حتى كان بعد الغد، فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلت لك، فقال: «أطلقوا ثمامة»، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: أصبوت؟ فقال: لا ولكن أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبدالوهاب بن محمد الخطيب، أخبرنا عبدالعزيز بن أحمد الخلال، حدثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد الثقفي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين قال: أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل فأوثقوه، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف.
قوله عز وجل: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} أي أثقالها وأحمالها، يعني حتى تضع أهل الحرب السلاح، فيمسكوا عن الحرب.
وأصل الوزر: ما يحتمل الإنسان، فسمى الأسلحة أوزارًا لأنها تحمل.
وقيل: {الحرب} هم المحاربون، كالشرب والركب.
وقيل: الأوزار الآثام، ومعناه حتى يضع المحاربون آثامها، بأن يتوبوا من كفرهم فيؤمنوا بالله ورسوله.
وقيل: حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا، ومعنى الآية: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام، ويكون الدين كله لله فلا يكون بعده جهاد ولا قتال، وذلك عند نزول عيسى بن مريم عليهما السلام، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال».
وقال الكلبي: حتى يسلموا أو يسالموا.
وقال الفراء: حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم.
{ذَلِك} الذي ذكرت وبينت من حكم الكفار، {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ} فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال، {وَلَكِن} أمركم بالقتال، {لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ومن قتل من الكافرين إلى العذاب، {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قرأ أهل البصرة وحفص: {قتلوا} بضم القاف وكسر التاء خفيف، يعني الشهداء، وقرأ الآخرون: {قاتلوا} بالألف من المقاتلة، وهم المجاهدون، {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد، وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل.


{سَيَهْدِيهِم} أيام حياتهم في الدنيا إلى أرشد الأمور، وفي الآخرة إلى الدرجات، {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} يرضي خصماءهم ويقبل أعمالهم.
{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي بَيَّن لهم منازلهم في الجنة حتى يهتدوا إلى مساكنهم لا يخطؤون ولا يستدلون عليها أحدًا كأنهم سكانها منذ خلقوا، فيكون المؤمن أهدى إلى درجته، وزوجته وخدمه منه إلى منزله وأهله في الدنيا، هذا قول أكثر المفسرين.
وروى عطاء عن ابن عباس: {عرفها لهم} أي طيبها لهم، من العَرْف، وهو الريح الطيبة، وطعام معرف أي: مطيَّب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5